قراءة في نزع سلاح حزب الله: الأسباب والعواقب
مؤخّرًا، أعلنت الحكومة اللبنانية قرارًا بنزع سلاح حزب الله. في الصفحات
المقبلة، سوف نحاول فهم هذا القرار من مُختلف الحيثيّات، وعلى رأسها الأسباب التي
أدّت إلى الحكومة اللبنانية بإقرار هذا القرار، والعواقب المحتملة في حال تطبيقه.
v خلفية
تاريخية حول حزب الله:
تأسس حزب الله كردّة فعلٍ على الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982؛ وكان
هذا الاجتياح، بدوره، مدفوعًا بهدف تدمير
البنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وطردها من الجنوب اللبناني والعاصمة
بيروت.
ورغم خروج قوّات المقاومة
الفلسطينية من لبنان في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي، وخلال وقتٍ قصير من الاجتياح،
فإن إسرائيل لم تنسحب من لبنان، وحافظت على وجودها فيه بذريعة منع الفصائل
الفلسطينية المسلّحة من العودة وبذرائع أخرى. وكما يقول الشيخ نعيم قاسم في كتابه
"حزب الله: التجربة- المنهج- المستقبل" ص136، فإن إسرائيل لم تكن قد
حسبت حسابًا كبيرًا لمقاومة لبنانية محتملة، واعتبرت المقاومة اللبنانية ملحقةً
بالمقاومة الفلسطينية.
ولكن.. جرت الرياح بما لم تشتهِ
إسرائيل!
كانت المقاومة الفلسطينية -قبل
خروجها من لبنان- للاجتياح الإسرائيليّ "محدودة وغير فعّالة"، بتعبير
الشيخ نعيم؛ بسبب عنصر المفاجأة وعدم القدرة على التصدّي، وانتهت بالخروج من لبنان
بالفعل. ولكن، وفي الوقت نفسه، نشأت مقاومةٌ لبنانيّةٌ مسلّحةٌ ضدّ الاحتلال
الإسرائيليّ -الذي لم ينسحب كليًّا من لبنان- من قبل فصائل مختلفة، بعضها كان بدعمٍ
مباشرٍ وتدريبٍ من الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة. وإثرَ ذلك، بدأ "حزبُ
الله" في التشكّل، وبدأت إسرائيل "تهتم برصد الحالة الإسلامية المفاجئة والمتنامية بعدائها لإسرائيل، والتي كانت
تسير باتجاهين متلازمين: التعبئة العلمائية والتدريب العسكري في معسكرات البقاع، ليكتشف
العدو انه أمام قوة جديدة تكبر يوماً بعد يوم" (نعيم قاسم، ص149).
وقد كانت عمليات المقاومة اللبنانية المسلّحة
موجعةً للاحتلال الإسرائيليّ، ومُرعبةً في الوقت نفسه، خصوصًا بسبب خشية إشعالها وإلهامها
لحركات مقاومة موازية في غزة وفي الضفة الغربية.
عام 1985، أعلن حزب الله عن نفسه بهذا الاسم
رسميًّا في "الرسالة المفتوحة إلى المستضعفين في العالم". وفي هذه الرسالة نفسها، "أعلن الحزب عن رؤيته العقائدية الجهادية
السياسية الاجتماعية، ومباشرته للتحرك العلني والسياسي"، من بعد عامين ونصف
من التشكّل ومن الحراك المقاوم السرّي.
ومع نشأته بصفة رسميّة -بل وحتى قبل ذلك-،
وُجِدت العديد من التحدّيات له في الدّاخل اللبنانيّ، ليس أقلّها تحدّي الدولة
والجيش، وتحدّي حركة أمل، ومن ثمّ اتّفاق الطائف وما ولّده. ورغم كلّ هذه
التحدّيات، واصل الحزب نشاطه المقاوم متّبعًا أسلوب حرب العصابات (وهو أسلوبٌ
يستنزف الخصم، خصوصًا إذا كان جيشًا نظاميًّا كجيش الدفاع الإسرائيليّ).
ومن دون الخوض في تفاصيل المعارك بين دولة
الاحتلال الإسرائيليّ وبين حزب الله منذ تأسيسه رسميًّا، فقد تُوّجت جهود مقاومة
حزب الله عام 2000، عندما انسحبت إسرائيل من لبنان بالكامل بسبب الاستنزاف
العسكريّ من جانب، والضغط الداخليّ من جانب آخر، وتحوّل الاحتلال الإسرائيليّ
للبنان من طريقة لضمان أمن إسرائيل إلى عبءٍ استراتيجيّ.
قوّى الانسحاب الإسرائيليّ من موقف حزب الله
في الدّاخل اللبنانيّ بشكل كبير، واكتسب مكانةً معنويّةً لا يُستهان بها أيضًا في
الأوساط العربيّة والإسلاميّة. واستمرّ حزب الله في تقوية ذاته عسكريًّا وتعزيز
قدراته.
عام
2006، أقدم حزب الله على خطف جنديين إسرائيليّين من الحدود اللبنانية الإسرائيليّة
في عمليّة عسكريّة دقيقة هدفت لعملية لتبادل الأسرى، ولكنها أشعلت فتيل حربٍ
ضاريةٍ بين حزب الله وإسرائيل استمرّت لثلاثة وثلاثين يومًا، أسفرت عن مقتل أكثر
من ألف لبنانيٍّ (سواءً من المدنيّين أو من عناصر حزب الله)، وعن مقتل 121 جنديًّا
إسرائيليًّا وقرابة 45 مدنيًّا من الجانب الإسرائيليّ. وقد انتهت هذه الحرب
بالقرار الشهير من مجلس الأمن الدّوليّ (1701) الذي دعا لوقف
الأعمال القتالية ونشر قوات دولية (اليونيفيل) لتعزيز الأمن على الحدود.
ورغم
الخسائر، أعلن حزب الله نصرًا استراتيجيًّا لإفشاله كلّ الأهداف الإسرائيليّة، فلم
تستعد إسرائيلُ الجنديّين المخطوفين، ولا نزعت سلاح حزب الله. ومع ذلك، فقد كانت
الخسائر البشريّة والمادّيّة هائلةً في لبنان.
v وقفة مع "جبهة الإسناد" من حزب الله مع
"طوفان الأقصى":
بعد اندحار
العدوان الإسرائيليّ على لبنان وحزب الله عام 2006، استمرّ حزبُ الله في تطوير
ترسانته الصّاروخيّة وبنيته العسكريّة، بدعم مباشرٍ وصريحٍ من طهران، وكثّفت
إسرائيل من حركاتها الاستخباراتيّة لرصد تحرّكات حزب الله، وخصوصًا على الحدود.
وقد بلغ التوتّر بين إسرائيل وحزب الله ذروته مع تنفيذ إسرائيل عمليةَ اغتيالٍ
استهدفت القياديّ البارز في حزب الله "عماد مغنية" عام 2008 في سوريا.
ومع ذلك، فقد مارس الحزب سياسة "ضبط النّفس".
يعترف الشيخ نعيم قاسم أن حزب الله، عندما
قام بتنفيذ عملية اختطاف الجنديّين الإسرائيليّين التي أدّت إلى حرب تمّوز 2006،
لم يكن يتوقّع ردّة الفعل الإسرائيليّة الشّرسة التي نفّذتها على الأراضي اللّبنانيّة.
أستفيد من ذلك أنّ الحزب قد تعلّم درسًا، بطريقة
أو بأخرى: تجنّب الحرب المباشرة والمفتوحة مع كيان الاحتلال الإسرائيليّ، إلّا عند
الاضطرار.
وعلى ضوء هذا الدّرس يمكننا أن نفهم طريقةَ
حزب الله عندما بدأ "جبهة الإسناد" ضدّ كيان الاحتلال مناصرةً لغزّة في
أعقاب عمليّة "طوفان الأقصى"؛ حيث اكتفى الحزب بتسديد ضربات مدروسة ومحدودة
ضد إسرائيل، بدلًا من الدخول في مواجهة مفتوحة مباشرة. ورغم ذلك، أعلن عن استعداده
الكامل للحرب المباشرة.
لا حاجة لنا أن نتوقف عند كلّ ما حدث بين
2006 و 2023، من تدخّلات حزب الله في الشأن الدّاخليّ اللبنانيّ، وخصوصًا على
الصعيد السياسيّ، وتدخّله عسكريًّا في سوريا دعمًا لنظام بشّار الأسد، الأمر الذي
غضّ من شعبية الحزب في الأوساط العربيّة والإسلاميّة.
أمّا عن اندلاع معركة طوفان الأقصى
واستحالتها إلى حرب شاملة، ودخول حزب الله المبكّر فيها كـ"جبهة إسناد"،
فنقول التالي:
أوّلًا: يرجّح العديد من المحلّلين
السياسيّين المؤيّدين لحزب الله ومحور المقاومة أنّ خيار فتح جبهة الإسناد من جانب
حزب الله قد كان خيارًا صائبًا لاعتبارين أساسيّين: أولهما نصرةً لغزّة وتخفيفًا
عنها، وثانيهما درءًا وردعًا لاعتداءٍ إسرائيليٍّ كان مُرجّح الوقوع على أية حال
قبل 7 أكتوبر على حزب الله.
وأعلّق على ذلك بالتالي: شخصيًّا، ورغم
احترامي العظيم لقرار حزب الله بدعم غزّة المقهورة والتخفيف عنها، ومتفهّمٌ لهذا
الدّافع ولدافع ردع إسرائيل، ما أزال متفهّمًا لامتعاض أولئك المواطنين
اللبنانيّين الذين رأوا في دخول حزب الله خطّ المواجهة جرًّا قسريًّا لبلادهم للحرب.
وهنا أقول: أعتقد بأنّ إسرائيل قد فاجأت
الجميع بجرأتها البالغة (والتي ما كانت لتبلغها أبدًا لولا الدعم الأميركيّ خصوصًا،
والدعم الغربيّ عمومًا)، وبطول نَفَسها المفاجئ في هذه الحرب، وعلى مُختلف
الجبهات، بينما اعتقدت الغالبية العظمى من المحللين السياسيّين في البداية بأن
إسرائيل سوف تحاول أن تلجأ للحسم السريع. وهي بالفعل حاولت ذلك، ولكنّها -وكما هو
واضح- لم تفلح، ولكنّها نجحت في تخييب نبوءات المحلّلين الذين قالوا بقصر نفسها في
الحرب، وها هو العالم يشهد طول نفسها -لقرابة عامين- في هذه الحرب، بفضل الدعم
الأميركيّ بالدّرجة الأولى، وعناد نتنياهو.
وربّما لم يتوقّع حزبُ الله أيضًا، عند فتحه
"جبهة الإسناد" أن تدخل إسرائيل حربًا مباشرةً معه ومع الجنوب اللّبنانيّ
بالشراسة التي شهدناها، خصوصًا مع تورّطها في حرب غزّة، وهو حتمًا لم يتوقّع أن
تخترق صفوفه بالدرجة التي رأيناها في "تفجيرات البيجر" من جانب، وفي
اغتيال القادة من جانب آخر.
وعلى ضوء درس حرب تمّوز 2006، أبقى الحزب
المواجهةَ مع إسرائيل محدودةً ومحسوبة، ولكنّها فاعلةً في الوقت نفسه كـ"جبهة
إسناد"، إذ وجّهت إسرائيل شطرًا لا يُستهان به من قوّاتها إلى الحدود الإسرائيليّة
اللبنانيّة، بدل توظيفها في غزة. ومع ذلك، فقد دخلت إسرائيل في مواجهة شاملة مع
حزب الله في مرحلة ما من الصّراع، وخصوصًا مع تفجيرات البيجر ومع اغتيال السيّد
حسن نصر الله، وما أعقب ذلك من محاولة التوغّل البرّيّ في الجنوب اللبنانيّ.
بعد الصدمة الكبرى التي تعرّض حزبُ الله
إليها مع تفجيرات البيجر واغتيال القادة، تمكّن من إعادة تشكيل صفوفه إلى حدٍّ ما
خلال مدّةٍ وجيزة، واستعاد قدرته على المناورة والدّفاع والهجوم، وظهر ذلك جليًّا
عندما حاولت إسرائيل أن تتوغّل برّيًّا في لبنان فواجهت مقاومةً شرسةً من حزب
الله. وقد كانت هذه المقاومة في خطّين متوازيين: خطٌّ دفاعيٌّ برّيًا ضد التّوغّل؛
بغرض صدّه، وخطٌّ هجوميٌّ جوّيٌّ، بالمسيّرات والصواريخ؛ بغرض فرض معادلة الردع.
تسبّب التصدّي البرّيُّ من جانب حزب الله
لإسرائيل في خسائر كبيرة للجانب الإسرائيلي، وخسائر أكبر للجانب اللبنانيّ (والفرق
هو في قدرة الجانبين على تقبّل الخسائر؛ حيث قدرة إسرائيل والإسرائيليّين على
تقبّل الخسائر ضعيفة، بينما قدرة اللبنانيّين على ذلك قويّة).
وفي إسرائيل طبيعة تستحقّ التأمّل: طالما كانت هي في موضع قوّة، وطالما كان خصمها غير قادر على إلحاق ضرر بها، مادّيًّا وبشريًّا، فإنها من المستحيل أن تتوقف إلّا بعد القضاء عليه كلّيًّا. ولكن مع حزب الله، وإلحاقه الخسائر بها، على كلا الصّعيديْن، إلى جانب الرّغبة الإسرائيليّة في التّفرّغ لحرب غزّة، فإن إسرائيل قد لجأت لاتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله.
v موقف حزب الله بعد وقف
إطلاق النار:
بعد وقف إطلاق
النار وتوقّف الحرب، كان الحزب في حاجة لإعادة ترتيب صفوفه وتشكيل نفسه، وإلى سدّ الثغرات التي تمّ
اختراقه منها. ولكلّ ذلك، إلى جانب الرغبة في توحيد الصفّ اللّبنانيّ، أظهر حزب
الله دعمه للدولة اللّبنانيّة، خصوصًا بعد الانتخابات الرئاسيّة التي أوصلت العميد
جوزيف عون لرئاسة لبنان وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نوّاف سلام، وأوكل مهمّة تطبيق
بنود اتّفاق وقف إطلاق النّار إلى الدّولة اللّبنانيّة. وهو إذ يفعل ذلك، فإنّه يترك
للشّعب اللّبنانيّ الحكمَ على قدرة الدّولة اللّبنانيّة على الدّفاع عن سيادة
لبنان ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ، في الوقت نفسه الذي يعيدُ فيه تشكيل صفوفه
واستعادة قواه. وبهذه الطّريقة، فإنّ الشّعب اللّبنانيّ سيكون شهيدًا على التّمييز
بين قدرة أو عجز الدّولة اللبنانيّة على الدّفاع عن سيادة لبنان ضد العدوان
الخارجيّ.
v قرار
نزع سلاح حزب الله، أو "حصر السّلاح بيد الدّولة":
بينما التزم الرئيس جوزيف عون -حتّى وقتٍ قريب- بأولوية الانسحاب
الإسرائيليّ من الأراضي اللّبنانيّة قبل أيّ حديثٍ عن أمور لبنان الدّاخليّة مع
أية أطراف خارجيّة، أبدى نوّاف سلام موقفًا أكثر تشدّدًا تجاه حزب الله، وإن
ضمنيًّا، عندما لمّح أكثر من مرّة إلى "حصر السّلاح بيد الدّولة". ومع
ذلك، أبدى حزب الله حسن النّوايا مع الحكومة والرّئاسة، ورغبةً في التّعاون
والدّعم من أجل إخراج الاحتلال، والمحافظة على الوحدة الوطنية.
وهنا، يجدر بي أن أستطرد لأقول:
لا أحسد أيّ امرئٍ يصل إلى دائرة اتّخاذ القرار في لبنان! التحدّيات المحيطة
بلبنان كبيرة: عدوان خارجيٌّ واحتلالٌ إسرائيليٌّ متوحّشٌ، وضغوط دوليّة
وإقليميّة، وأوضاع اقتصاديّة صعبة ومتردّية، وانقسام داخليٌّ حول أمورٍ عديدة..
إلخ!
ولا تخفى على امرئٍ الضغوطُ
الكبيرة التي يتعرض إليها أصحاب اتّخاذ القرار في لبنان، وخصوصًا من الجانب
الأميركيّ "الترامبيّ" (الذي تحرّكه اليدُ الإسرائيليّة)، وضغوط عربية
أيضًا، خصوصًا فيما يتعلّق بنزع سلاح حزب الله.
v قراءة
في نزع السلاح وعواقبه على ضوء "الواقعيّة الهجوميّة":
تقوم الواقعيّة
الهجوميّة على فرضيّة أن النظامَ الدوليَّ نظامٌ أناركيّ، أي بلا سلطةٍ مركزيةٍ
قادرةٍ على حماية الدول وضبطِ سلوكها. في هذا السياق، تكون الدولُ -وبخاصة الضعيفة
منها- معرّضةً للتهديد باستمرار، ما يدفعها إلى السعي المستمرّ لتعظيم قوّتها
النسبيّة لضمان بقائها، ويُفضّل أن تبلغ مستوى "الهيمنة الإقليمية"؛ حيث
تصبح بعيدةً عن خطر الإكراه من الدّول الأخرى.
تقوم إسرائيل بتطبيق سياسة
"الواقعيّة الهجوميّة" بكل ما تستطيع من وسيلة، ولا أدلّ على ذلك من
هجومها الشّرسِ على سوريا وعلى كلّ المقدّرات العسكريّة السّوريّة بمجرد سقوط نظام
بشّار الأسد، واحتلالها مناطق من سوريا وبسط سيطرتها عليها، لضمان ألّا تشكّل
"سوريا الجديدة" أيّ تهديدٍ لإسرائيل.
وأمّا من الجانبِ اللّبنانيّ،
فلم يكذب حزبُ الله حينَ علّق على قرار الحكومة اللّبنانيّة بنزع السّلاح بأنها
"ترتكب خطيئةً كبرى"، للأسباب التّالية:
1)
حزب الله هو القوّة الرّادعة الوحيدة
لإسرائيل في لبنان:
في كتابها
"أسمى مراتب الشرف" ص104، تقول كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية
الأميركية السّابقة: "إنّ إحدى مشاكل الإرهابيين أنّه ليس لديهم ما يخسرونه
بحسب المعنى التّقليدي. فهم ليسوا مثل الدول، ليس لهم أراض يمكن تهديدها ولا سيادة
يخسرونها".
بالطّبع، فإنّ حزب الله منظّمةٌ إرهابيّة حسب
التّصنيف الأميركيّ والنّظام الدّوليّ الذي تترأسه الولايات المتّحدة. ولذلك،
فإنّه ينطبقُ عليهم ما تذكره هنا كوندوليزا رايس.
في حربٍ تقليديّة، بين جيشين نظاميّيْن، تتفوّق
إسرائيل -ربّما- على كلّ (أو معظم) دول المنطقة، بسبب الدّعم الأميركيّ والغربيّ المُطلق
بشكل رئيسيّ، والتّفوق التكنولوجيّ والسّيبرانيّ. أمّا في حربٍ مع كيانٍ غير
حكوميّ، مثل "حماس" أو "حزب الله"، فإنّ إلحاق الهزيمة ليس
بالأمر السّهل!
عام 1967، حاربت إسرائيل ثلاثة جيوشٍ عربيّة وانتصرت
في ستّة أيّام. ورغم فارق الزّمن والظّروف، لنا أن نقارن ذلك بعدم تمكّن إسرائيل
من حسم الحرب مع حماس منذ قرابة عامين مع انطلاق طوفان الأقصى، وبدفع حزب الله
إيّاها للانسحاب من لبنان عام 2000، وبإفشال أهدافها العسكريّة في ردّها على حزب
الله عام 2006!
وإذا تحدّثنا عن الجيش اللّبنانيّ، فإن لا
يُقارن مع الجيش الإسرائيليّ على صعيد القوّة والتكنولوجيا والتفوّق العسكريّ، بل هو
نفسه عاجز عن مواجهة حزب الله لو تحتّمت عليه المواجهة معه، ناهيك عن إسرائيل!
نستنتج من ذلك أمرًا واحدًا: حزب الله، رغم
كلّ علّاته وعيوبه من وجهة نظر لبنان الدّاخليّة، حكوميًّا ومن قبل شرائح أخرى من
الشّعب اللّبنانيّ، هو مصدر قوة لبنان الوحيدة في وجه إسرائيل، وهو الرّادع الأوحد
الذي أمسك إسرائيل عن احتلال الجنوب اللّبنانيّ.
بتجريد حزب الله من سلاحه، فإنّ الحكومة
اللّبنانية تعرّي لبنان من مصدر قوّته الرّادعة الوحيدة للاحتلال الإسرائيليّ،
وتترك لبنان في موقفٍ لا يقلّ سوءًا عن موقف سوريا بعد سقوط نظام بشّار الأسد:
معرضة للاحتلال وللعدوان ولتدمير القدرات العسكريّة!
هذا أحد الأسباب التي يُشار إليها عندما يُقال
بأنّ الحكومة اللّبنانية ارتكبت خطيئة كبرى بهذا القرار!
2)
إشعال صراع داخليٍّ بدل التّركيز على إنهاء
عدوان خارجيّ:
في مثل الوضع الحسّاس الذي يواجهه لبنان اليوم، يقضي العقل بأن تركّز
الحكومة على توحيد الصّفوف اللبنانيّة الدّاخليّة وإنهاء العدوان الخارجيّ الإسرائيليّ.
ولكنّ الحكومة اللّبنانية اقترفت خطأً فادحًا بهذا القرار الذي فصم عُرى الوحدة
الوطنيّة اللبنانيّة، وأشعل انقسامًا في الدّاخل اللّبنانيّ، وأسدى للعدوّ
الإسرائيليّ الذي يحتلّ الأراضي اللّبنانيةَ خدمةً كُبرى، الأمر الذي لا يُستبعد
أن يُشعل حربًا أهليّةً إذا ما حاولت الحكومة تطبيقه بالفعل وبالقوة، أو أن يُسقِطَ
الحكومة وينزع غطاء الشّرعيّة عنها إذا حُجِبَت عنها الثّقة!
3)
عدم استغلال قوّة وسلاح الحزب في صالح
الدّولة اللّبنانيّة:
ربما يكون هذا هو المؤشّر الأكبر على حماقة هذا القرار وعلى عدم عمل
الحكومة بالواقعية الهجومية (راجع "الواقعية الهجوميّة" في كتابات جون
ميرشايمر).
لو كانت الحكومة اللّبنانيّة تتمتّع
بالحكمة الكافية والدّهاء، لما استمعت للوصاية الخارجيّة التي لا تخدم سوى كيان
الاحتلال ضدّ مصالح لبنان، ولكانت قد لجأت أوّلًا لاستغلال قوّة حزب الله وسلاحه
كورقة ضغط كبرى ضد كيان الاحتلال، وثانيًا لاحتواء الحزب، والحفاظ على سلاحه كحقيقة واقعيّة، مع تقليل استقلاليّته العملياتيّة
تدريجيًّا عبر دمجه في إطار مؤسسات أمنيّةٍ و"خطّةٍ دفاعيّةٍ" موحّدةٍ
تقودها الدولة.
ونكتفي بذكر هذه الأسباب
الثلاثة، رغم وجود المزيد.
v ما
الذي سيحدث؟
أعلن حزبُ الله رفضه القاطع لبيان المجلس الوزاريّ للحكومة اللّبنانيّة،
وبأنه سوف يتعامل معه وكأنه لم يكن، بينما كلّفت الحكومةُ اللبنانيّةُ الجيشَ
بإعداد خطّة لـ"حصر السّلاح بيد الدّولة" مع نهاية العام الجاري.
ما أعتقد بأنه سيحدث، هو أنّ
الجيشَ سوف يطلبُ أوّلًا من المستوى السياسيّ أن يتوجّه للتّفاوض. وفي حال رفض حزب
الله للتّفاوض على "نزع السّلاح"، فإنّه من غير المرجّح أن يميل الجيش
للاصطدام العسكريّ المباشر مع الحزب، خصوصًا وأنه ثمة عدد من الجنود في الجيش
اللّبنانيّ من مؤيّدي حزب الله، وأنه ثمّة احتماليّة كبيرة لأن يقود ذلك إلى حربٍ
أهليّة.
وأمّا الحكومة اللّبنانيّة، فقد
خرجت عن مسار الوحدة الوطنية وتسبّبت بهذا الصّدع في الدّاخل اللّبنانيّ. ولذلك،
فإنّ سقوطها غير مُستبعد. وفي حال سقوطها، ليس من المُستبعد أن تخوض إسرائيل
بنفسها حربًا أخرى على حزب الله، وتنشب حرب استنزاف!
حسين كاظم- 8 أغسطس 2025م
تعليقات
إرسال تعليق