ما جرى في سوريا.. محاولة للفهم! والموقف من بشار الأسد


v   مفاجأة لم يتوقعها أحد:

على مدى الأيام الماضية، وتحديدًا منذ الثامن من ديسمبر 2024، فوجئ العالم بأسره بالانهيار السريع لنظام بشار الأسد الذي استمر لحوالي ربع قرن. خابت توقعات جميع المحللين السياسيين والعسكريين والمراقبين في المنطقة، وفي العالم كله. لم يتوقع أحد هذا السقوط الخاطف والمدوّي لنظام بشار!

    شخصيًّا، كنتُ أراهن على الحماية الروسية والإيرانية لبشار ونظامه، خصوصًا مع مشاركة روسيا جويًّا ضد المعارضة المسلحة، ومع زيارة عراقتشي لسوريا، مطلع ديسمبر الجاري، ولقائه بكبار المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم بشار الأسد نفسه، كما في الصورة التي أرفقها في تغريدة له على منصة "إكس"، حيث أكد على وقوف إيران "مع الشعب السوري، والحكومة، والجيش، للقتال ضد الإرهاب". ولكن، وبعد أسبوع من تلك الزيارة، وردت تقارير عن إجلاء الإيرانيين لضباط فيلق القدس والحرس الثوري والدبلوماسيين الإيرانيين من سوريا، كما ووردت تقارير أيضًا عن تخلي إيران عن بشار الأسد؛ لسخطها منه، ولاشتباهها بأن نظامه قد تعاون مع الإسرائيليين، وقدّم إليهم معلومات استخباراتية عن التحركات الإيرانية في سوريا، ساعدتهم على استهداف الإيرانيين والقنصلية الإيرانية، ناهيك عن عدم صدور أي موقف حقيقي من بشار ونظامه، داعمٍ للمقاومة في غزة، ولمحور المقاومة عمومًا، ضد إسرائيل.

    ومباشرةً بعد زيارة عراقتشي لدمشق، توجه إلى أنقرة، حيث التقى بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وأكد على موقفه وموقف بلاده مما كان يحدث في سوريا. بينما قال فيدان بـ"ضرورة التوصل إلى تسوية بين الحكومة والمعارضة"، وبأن "أنقرة مستعدة للمساهمة في أي حوار إذا تطلب الأمر".


    بعد إسقاط نظام الأسد، أشارت معظم أصابع الاتهام إلى تركيا وزعيمها أردوغان في تقديم الدعم الأساسي للمعارضة المسلحة، وإعطائهم الضوء الأخضر للمضي قدما وإسقاط نظام بشار.

    رسميًّا، نفت تركيا ذلك. ولكن يصدّقها المصدّقون ويكذبها المكذّبون!

    الجدير بالذكر أنه ثمة تغريدة نُشرت من حساب منسوب لإسراء ابنة أردوغان، يتابعه أكثر من 200 ألف متابع، تقول فيها: "سقط الأسد وانتصر الزعيم أردوغان"!

    والبعض الآخر، وعلى رأسهم الإيرانيون، والمرشد الإيراني الأعلى -السيد علي خامنئي- نفسه، اتهم إسرائيل والولايات المتحدة "ودولة عربية" (لم يُسمّها) بالتخطيط مع المسلحين لإسقاط نظام الأسد، خصوصًا مع أخذ تهديد نتنياهو للأسد بعين الاعتبار، عندما قال بأن هذا الأخير "يلعب بالنار".

    وثمة تخمينات أخرى بأن القيادات الإيرانية والروسية والتركية قد توافقت على التخلّي عن الأسد وحكمه، ورأت فيه "بطاقةً منتهية الصلاحية"، رغم التصريحات الرسمية (الإيرانية على الأقل) التي تناقضت مع ذلك الادعاء.

v   تغير الواقع الجيوسياسي للمنطقة:

وسط كلّ هذه الاتهامات والتكهنات، والوقائع العملية المعقدة على الأرض، تبقى حقيقة واحدة: مع سقوط نظام الأسد، فإن الإقليم يشهد تحوّلًا جيوسياسيًّا كبيرًا يُخلّ بتوازن القوى، ويغيّر المعادلات كلّيًّا. وما يزال من الصعب جدًّا -ومن المبكر جدًّا- أن نفهم حجم هذا التحول وتبعاته، خصوصًا مع الأخذ بعين الاعتبار عدم الاستقرار في سوريا حتى الساعة، وعدم وضوح معالم التحالفات الخارجية التي سيقيمها النظام السوري الجديد، والأطماع والتحركات الإسرائيلية!

    ولا أكتب هذه السطور مدّعيًا بأنّي أفهم كلّ ما جرى وما يزال يجري في سوريا وتبعاته في المنطقة، وإنما أكتب كي "أحاول أن أفهم"، خصوصًا وأني قضيت ساعات طويلة في قراءة الأخبار والتحليلات السياسية، وفي مشاهدة لقاءات كبار علماء السياسة والمحللين، وما أزال -ولا أخجل من الاعتراف بذلك- عاجزًا عن تصوّر ما نحن مقبلين عليه من تحول إقليمي (بل ولا أبالغ إن قلتُ: عالمي)! فالأسد، رغم استفادة إسرائيل من موقفه السلبي نحوها وعدم تحركه نهائيًا ضدها بشكل مباشر، كان محسوبًا على "محور المقاومة"، وقدّره حزب الله كما قدّرته إيران. أما الآن وقد سقط، فإن "محور المقاومة" نفسه قد انهار!

    تكوّن محور المقاومة أساسًا من: إيران، لبنان (وتحديدًا حزب الله اللبناني)، اليمن، وسوريا، بالإضافة إلى حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المدعومة من طهران بالطبع، وفصائل المقاومة العراقية غير الرسمية.

    كانت سوريا، تحت ظل الأسد، تشكل ممرًّا حيويًّا واستراتيجيًّا لإيران ومحورها، يصل بينها وبين حليفها الأساسي المتمثل في حزب الله. وربما يمتلك حزب الله إمكانات "التصنيع الذاتي" للأسلحة حاليًّا، ولكنّ الإمدادات اللوجستية الإيرانيّة للمعدات والمواد سوف تتضرر حتمًا مع سقوط الأسد، ومع سيطرة جماعات معادية لإيران -عداءً صريحًا وشديدًا- على السلطة في دمشق، مما يُضعف حزب الله. بل والأسوأ من ذلك: احتلّت إسرائيل مناطق سوريّةً حدودية مع لبنان، هي في غاية الأهمية، بمجرد أن سقط بشار، بحجة "الدفاع المؤقت وضمان عدم نشوء قوة معادية على الحدود"، الأمر الذي من شأنه أن يضيق الخناق على حزب الله أكثر.

    ما تزال لإيران ذراع في اليمن وفي العراق. ولكن بالنسبة لحركة حماس، فإنه من الواضح أنها، وخصوصًا من بعد السنوار، قد غيّرت مواقفها، حيث باركت سقوط بشار، واعتبرته "تحريرًا يمهد لتحرير القدس"، على لسان خالد مشعل، رئيس حركة حماس في الخارج. وبهذه المباركة للثوار السوريين، فإن حماس تراهن على دعم سوري بالمقابل.

    وبأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار، فإنه من الواضح انهيار محور المقاومة، وانتقال ثقل القضية الفلسطينية وكل ما تحمله من تعقيدات من محور المقاومة وراعيته الأساسية (إيران) إلى محور جديد يتمثل في (تركيا وقطر)، كما يقول بعض المحللين السياسيين.

    ولكن ما هي تبعات ذلك، خصوصًا مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا وقطر كلاهما يُعتبران من أهم حلفاء الولايات المتحدة؛ تركيا عضو في حلف الناتو، ولها أهمية جيوستراتيجية كبرى فيه. بينما تستضيف قطر بعض أهم القواعد الأميركية في الشرق الأوسط.

    هذا ودون أن نغفل وجود بعض التضاربات في المصالح بين الحلفاء أنفسهم؛ فبينما تدعم الولايات المتحدة الأميركية (ومن خلفها إسرائيل أيضًا) الأكراد، الذين يتطلعون إلى إقامة دولتهم الكردية، ويتعاونون مع الأمريكان والإسرائيليين تعاونا وثيقًا ويسهّلون إليهم مقاصدهم ويقربونهم من مصالحهم، ترى تركيا -حليف الولايات المتحدة وعضو الناتو- الأكراد على أنهم تهديد مُباشر للدولة التركية، ويحاولون بكل السبل الممكنة منع مجرد احتمالية إقامة دولة كردية!

    ولا أستبعد أن يكون من بين أهداف الدعم التركي الكبير للجماعات المسلحة السورية هو أن تحارب هذه الجماعاتُ -وعلى رأسها هيئة تحرير الشام- الأكرادَ الانفصاليين الذين تدعمهم الولايات المتحدة -وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية المسمّاة عُرفًا بـ"قسد"-. ولا ننسى أن في إبقاء تركيا لنفوذها، ومحافظتها على علوّ يدها على الجماعات المسلحة السورية، نفوذًا وورقةً تفاوضيةً ذكيةً مع الولايات المتحدة الداعمة للأكراد (أعداء الدولة التركية).

    مع ذلك، يحق لنا أن نتساءل: هل انتقال حماس وثقل القضية الفلسطينية معها من محور المقاومة إلى المحور التركي- القطري، الحليف للولايات المتحدة، هو خيرٌ أم شرٌّ لها، خصوصًا وأن اللوبي الصهيوني يحرك الولايات المتحدة ويدير سياسيّيها كالدُّمى علنًا؟ الله أعلم!

    وماذا عن الدولة الجديدة في سوريا؟ كيف سيكون موقفها من فلسطين والمقاومة الفلسطينية المسلحة؟ لم تتضح معالم الأجوبة على هذه الأسئلة بعد!

v   عن توقيت الهجوم على الأسد واحتمالية العمالة لإسرائيل:

وهنا، يبرز سؤال: ماذا عن الاتهامات بأن من يقف وراء المعارضة السورية المسلحة هي إسرائيل وأميركا؟ وكيف لم ينتبه لذلك رئيس حركة حماس في الخارج؟ وهل من المعقول أن تبارك حماس دمىً يحركها الإسرائيليون؟

    وهذا ما يدفعنا إلى النظر في هذه الاتهامات نفسها.

    في الواقع، لا يُلام من يطرح مثل هذه التساؤلات! فبعد أن أطاح الجولاني ومن حوله ببشار، ومن بعد أن كان الغرب يصنّف الجولانيّ على أنه إرهابي، ها هو الغرب الآن يصرّح بأنه مستعد "لإعادة النظر" في تصنيفه على أنه إرهابي، هو شخصيًّا، وجماعته (هيئة تحرير الشام) أو (جبهة النصرة سابقًا) بالعموم! ناهيكم عن وقت تحرك الجولاني: مباشرةً بعد تهديد نتنياهو للأسد، وبعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله!

    وهذا ما يقودنا مباشرةً إلى تحليل التوقيت الذي بدأ فيه الحراك المسلح.

    يرجح العديد من المحللين بأن التوقيت الذي بدأ فيه الجولاني وجماعته الحراكَ قد كان توقيتًا مثاليًّا، وذلك للأسباب التالية:

1.    من ناحية، كان للتو قد تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، من بعد ضربات قاسية كان قد تلقاها الحزب الذي كان يقاتل أيضًا في صفّ بشار. وبذلك، فإن حراك الجولانيّ قد استفاد من انشغال حزب الله بلملمة صفوفه الداخلية من بعد شهور من الحرب القاسية ضد إسرائيل من جانب. ومن جانب آخر، وهذه وجهة نظر من زاوية أخرى لم ينتبه إليها أغلب من اعتقدوا بأن الجولاني دمية إسرائيلية أميركية: برأ هذا الأخير نفسه من قتال بشار (وحليفه حزب الله) "أثناء الحرب ضد إسرائيل"، بل تحرك بعد وقف إطلاق النار. ولو كان الجولاني وجماعته قد تحركوا أثناء سريان الحرب بين حزب الله وإسرائيل، لنظر إليهم الرأي العام على أنهم يحاربون في صف إسرائيل ضد محور المقاومة. ولكنهم تحركوا بعد وقف إطلاق النار، وصرحوا بأنهم يحاربون بشار ونظامه وحسب، ولا يحاربون أية جهة أخرى، ونأوا بأنفسهم عن التورط في قتال مع حزب الله مباشرةً.

    ومع ذلك، ما يزال العديد من الناس يصرون على الربط بين الجولاني وإسرائيل والولايات المتحدة، ولهم في ذلك أسباب تبرر إليهم ما يعتقدون، خصوصًا بعد مباركة إسرائيل لسقوط الأسد، واحتلالها أجزاء مهمة من سوريا بمجرد سقوطه، وتدميرها لمقدّرات الدولة السورية دون أن يحرك الجولاني ساكنًا ومن غير أن يصدر إدانةً لذلك حتى!

2.    من ناحية أخرى، فإن لإيران أيضًا انشغالاتها الكبيرة (داخليا وخارجيا)، والتي قد لا تسمح إليها بتوفير الدعم الكبير لبشار، مثل الذي كانت قادرةً على توفيره إليه فيما سبق. فداخليًّا، يتعرض الاقتصاد الإيراني لصعوبات وتحديات كبرى، ناهيكم عن المشاكل السياسية المستمرة. وخارجيًّا، فهي في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل منذ أبريل 2024، ومن الممكن في أي وقت أن يحدث تصعيد خطير بين الطرفين من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية (أو حتى عالمية، إذا تدخلت القوى العظمى). هذا إلى جانب فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وهو الذي توعد إيران بالمزيد من العقوبات والتدمير الاقتصادي.

3.    وإلى جانب السببين السابقين، لا يجدر بنا أن ننسى الروس المنهمكين أيضًا في صراع كبير في أوكرانيا، طال به الأمد كثيرًا عما كانوا يتوقعون، ومن المحتمل أيضًا أن يتطور إلى صراع ذي نطاق أوسع، وانشغالهم بذلك الصراع وحيثياته عن دعم بشار. ورغم أن الروس قد شاركوا بضربات جوية في بداية الحراك، كما أفادت الأخبار، ولكن هذا الدعم الجوي لم يستمر عندما تهاوى النظام وبدأت علائم انهياره واضحة.

    كل هذه الأسباب كانت قد جعلت وقت الحراك المسلح للجولاني وجماعته مثاليًّا، وساهم في إنجاحه.

    أما عن احتمالية العمالة لإسرائيل وأميركا والغرب عموما، فهذه ما زالت تكهنات، من الممكن أن تُثبتها الأيام، ومن الممكن أيضًا أن تنقضها. أما في لحظتنا الحاضرة، فلا يمكن القطع باحتمال دون الآخر؛ ببساطة، لعدم كفاية الأدلة التي قد تدعم أيًّا منهما!

ü    تحديث مهم (14/15 ديسمبر 2024):

كما ذكرنا، بمجرد أن سقط وفرّ بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر 2024، سارعت إسرائيل إلى احتلال مناطق سورية استراتيجية، وإلى تدمير معدّات ومقدّرات سوريا العسكرية تدميرًا هائلا. وأما الأميركيون، فقد نفذوا ضربات عسكرية أيضًا ادّعوا أنها كانت ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

    وطوال ما يقارب أسبوعًا كاملًا، امتنع أبو محمد الجولاني -الذي بدأ مؤخرًا في استخدام اسمه "أحمد الشرع"- عن الإدلاء بأي تعليق على التحركات والتعديات الإسرائيلية ضد سوريا، رغم ظهوره المستمر والمتكرر على وسائل الإعلام. ولم تتضمن تصريحاته سوى "إشارات" إلى أنه ومن يمثلهم لا يسعون إلى صراع مع أحد، ولا يسعون إلا إلى إعادة بناء سوريا من بعد دمار الحرب الطويلة.

    الجدير بالذكر هو أن هذا الموقف مُتفهّمٌ كلّيًّا؛ فسوريا بالفعل مُرهقة من هذه الحرب الطويلة التي شردت السوريين وشتتتهم في مُختلف بقاع الأرض. وأعتقد بصدق أنه ليس بإمكان سوريا أن تتورط في أي صراع عسكري مسلح آخر، خصوصًا وأن الوضع السياسي فيها ما يزال مضطربًا كل الاضطراب وبعيدًا كل البعد عن الاستقرار. وحتمًا لا يمكن لسوريا المُستنزفة اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وبشريًّا أن تجابه جيشًا متطورًا مثل الجيش الإسرائيلي.

    ولكن لِمَ استغرق الجولاني (أو أحمد الشرع) قرابة أسبوع كي يُصدر تصريحًا عن الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة والأراضي السورية؟ منذ الثامن من ديسمبر، وحتى الرابع عشر من ديسمبر، لم يصدر الجولاني أي تصريح مباشر عن إسرائيل! فقط يوم السبت الموافق 14 ديسمبر، تحدث الجولاني باستياء (خلا من كلمة "الإدانة") عن التحركات الإسرائيلية، فقال بأن الجانب الإسرائيلي تجاوز اتفاقية وقف إطلاق النار لعام (1974)، وبأن الحجج الإسرائيلية لفعل ذلك واهية وغير مبررة، ووصف الوضع السوري المنهك، وركز مجددا على إعادة الإعمار لا الانجرار إلى نزاعات أخرى، وأخيرا دعا المجتمع الدولي إلى التدخل.

    وهذا كله كلام جميل بلا شك. ولكن.. لِمَ تأخر هذا التصريح أسبوعا كاملا؟ هذا ما لا أستطيع فهمه! وحتمًا كان يجب أن تصدر هذه التصريحات بشكل مُتزامن مع الحدث، لا متأخرةً عنه بأسبوع!

    وأما الولايات المتحدة، فقد صرّح بلينكن أن الجانب الأميركي قد تواصل مباشرةً مع هيئة تحرير الشام كما أفادت الأخبار ليلة الرابع عشر من ديسمبر، ما يزيد احتمالية أن تُسقِط الولايات المتحدة تصنيفَ هيئة تحرير الشام -وزعيمها الجولاني- من قائمة الإرهاب، ويدفع إلى التساؤل: هل كان إصدار الجولاني لهذه التصريحات بالتنسيق مع الأمريكان من بعد "الاتصال المباشر"؟

    يجدر بنا أيضًا أن نشير إلى الجانب الاقتصادي من المعادلة: ليس الموقع الاستراتيجي لسوريا هو ما يمنحها الأهمية البالغة في الشؤون الاقتصادية العالمية وحسب. وإنما ثروتها النفطية أيضا.

    قبل سقوط الأسد بيوم واحد وحسب، غرّد ترامب تغريدةً عن سوريا أنهاها بقوله: "على أية حال، سوريا في حالة فوضى، ولكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي أن تكون للولايات المتحدة أية علاقة بها. هذه ليست معركتنا. فلتأخذ الأمور مجراها. لا تتدخلوا"!

    ولكن هل هذه نية ترامب بالفعل؟ أن تغادر الولايات المتحدة سوريا ببساطة أو لا تتدخل ولا يكون لها أية علاقة بسوريا؟ أشك في ذلك! بل إن لترامب خطة خبيثة تهدف إلى السيطرة على المقدرات النفطية السورية سيطرةً شبه كاملة! فكيف سيكون الاقتصاد السوري مستقبلا؟ الله أعلم!

v   الموقف من بشار الأسد:

من المحزن أن يتخذ أغلب الناس مواقفهم من حاكم أو شخص معين بناءً على انتمائه الطائفي أو الديني أو الإثني، دون النظر في أفعاله على الأرض وكيفية معاملته لشعبه!

    يُحزنني أن أرى العديد من الشيعة مثلًا يقدّسون بشار الأسد، رغم إجرامه الشديد في حق شعبه، على مدى ربع قرن تقريبًا، ورغم المجازر والفظائع وعمليات التعذيب التي ارتكبها في حق شعبه، فقط لكونه "علويًّا" أو لكونه حليفًا لـ"إيران وحزب الله الشيعيين"، تمامًا كما يُحزنني أن أرى العديد من السنة يقدّسون صدام حسين ويترحمون عليه، رغم إجرامه الشديد لا في حق شعبه وحسب، بل وأيضًا في حق شعوب المنطقة المجاورة، والتي ليس أقلها شعب دولة الكويت الشقيقة، وإطلاقه الصواريخ أيضًا على المملكة العربية السعودية الشقيقة أثناء حرب الخليج الثانية!

    في الواقع، ورغم كل التبريرات، لا يختلف أولئك الذين يقدّسون بشار الأسد عن الذين يقدّسون صدام حسين، ولا يختلف هؤلاء عن أولئك أيضًا. وغالبيتهم العظمى تنتطلق من مُنطلقات طائفية بغيضة لا تليق بإنسان مُتحضر!

    فتمامًا كما أنه لا خير في صدام حسين، لا خير أيضًا في بشار الأسد الذي، رغم انتمائه المزعوم لمحور المقاومة، لم يُحرّك ساكنًا ولم يفعل شيئًا حقيقيًّا لدعم غزة طوال عام كامل من تعرضها للإبادة (دون أن نتحدث عما سبق ذلك)، بل، وأكثر من ذلك، كما أفادت بعض التقارير، كانت الاستخبارات السورية قد تعاونت مع الاستخبارات الإسرائيلية ضد محور المقاومة.

    وسواءً صحّت تلك التقارير أو لم تصح، فإن إسرائيل قد كانت مستفيدةً من نظام الأسد بطريقة أو بأخرى؛ ليس لأنه لم يحرك ساكنًا عندما انتهكت إسرائيل سيادة بلاده مرارًا وتكرارًا وحسب، بل وأيضًا لأنه لم يفعل شيئًا حقيقيًّا لنُصرة غزة، ولم يستجب لمطالب طهران بأن يفعل شيئًا ليضغط على الإسرائيليين من خلاله!

    هذا كله دون أن ننسى جرائمه وجرائم نظامه الفظيعة ضد الشعب السوري، والتقديرات تشير إلى 500 ألف سوري قتلهم نظام بشار. وليس ثمة شيء على وجه الأرض يمكنه أن يبرر أو يقنن قتل مثل هذا العدد من الناس!

    لا يجب أن نكيل بمكيالين! كما أنه لا يحق لإسرائيل أن تقتص من حماس بقتل المدنيين الفلسطينيين بمثل الأعداد الهائلة التي غرقوا في دمائها، بحجة أن "حماس تتخذ من المدنيين دروعا بشرية"، فأيضا لم يكن من حق بشار أن يقتص من الإرهابيين أو من المعارضة السورية لنظامه بأن يغرق في دماء عشرات ومئات الآلاف من الأبرياء المدنيين من شعبه!

    آن لنا أن نتجاوز نزعتنا إلى الطائفية والكيل بمكيالين وتبني المعايير المزدوجة، وأن نرى الطغاة طغاةً كما هم. من يُدين بشار، فعليه أن يُدين صدام حسين. ومن يدين صدام حسين، فعليه أن يدين بشار!

حسين كاظم

15/12/2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في نزع سلاح حزب الله: الأسباب والعواقب

مراجعة ونقد رواية "البكاؤون" للدكتور عقيل الموسوي

ترامب والحرب العالمية الثالثة المحتملة