"الشسمه" ونتنياهو- قصة قصيرة

 

v   خلفية:

    في رواية "فرانكشتاين في بغداد"، للكاتب العراقي أحمد سعداوي، تتجمع قطع مختلفة من جثث عراقية مختلفة من جثث ضحايا الحروب، في جسد واحد، بطريقةٍ ما. ويتحوّل هذا الجسد إلى كائن حيّ، ويُسمّى بـ"الشسمه"! ومن ثم يسعى "الشسمه" إلى القصاص من قتلة أصحاب الجثث التي تشكّل هو منها، ويسعى لإشعال ثورة.

v   القصة:

    في الدرك الأسفل من النار، كان ثلاثة من خزنة الجحيم الذين كلفهم الله -جلّ جلاله- بتعذيب نتنياهو قد جاءهم الوحي من الله بأن ينصرفوا عنه قليلًا، ليكبحوا جماح أخيه إبليس الذي كان قد ضاق ذرعًا من عذاب النار فجُنّ جنونه، وأخذ يزمجر من موضعه، إثر العذاب، فتخطّت زمجرتُه الهاويةَ والجحيم وسقر والسعير والحطمة واللظى، حتى وصلت إلى بؤساء جهنم -التي هي الطبقة الأولى- فتعاظم رعب سُكّان النار جميعا. كان إبليس يحاول أن يفلت من السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعًا، أو أن يكسرها، وهو يصرخ من أعماقه. سمع الخزنة لأمر ربّهم، وانصرفوا عن نتنياهو إلى إبليس، فزادوه فوق عذابه عذابًا، وكتموا صوته فلم يستطع أن يُطلق صرخة أخرى. وبينما هم يفعلون ذلك، كان نتنياهو الذي يُبدّل جلده ليصطلي بالنار، مرةً تلو الأخرى، يحاول أن يخادع الخزنة الثلاثة، وأن يلتفّ من وراء ظهورهم، ليخرج من عذابه المقيم بهدوء. انتبه إليه أحد الخزنة فتناول سوطه ذا الأشواك وشرع في جلده. صرخ نتنياهو متألما، وجدّد كُفره بالله وبملائكته مُستكبرًا وتطاول، فعاد إليه الخازنان الآخران واستأنفا عملية إذاقته ما أذاق عشرات الآلاف من بني الإنسان: النيران والتنكيل والإذلال.

    قال أحد الخزنة للآخريْن: "هذا المارق البائس! يتصور أنه يستطيع خداع ملائكة الرحمن كما كان يخدع السياسيّين الأغبياء من بني آدم! خُذ وأنت ابن الأسفلين!".

    في تلك الأثناء، نزل أحد ملائكة الجنة في فقاعة نورانية تحمي مُرافقَه من النار. ولم يكُن مُرافقه ذاك إلّا "الشسمه الفلسطيني"!

    بعد إحدى المجازر الإسرائيلية التي تمّت بأمر نتنياهو بعد السابع من أكتوبر 2023، والتي فُجِعَ "فلسطين" فيها بفقد عائلته بأسرها، بالإضافة إلى عينه اليمنى التي فقد البصر من خلالها إلى الأبد، لبث "فلسطين" في حسرته لأسابيع، حتى وهو تحت القصف، يائسًا من الحياة، يبكي عَوَرَهُ، وفقدان الأم والأب، والزوجة والعيال، والأشقاء والشقيقات وأولادهم. وقد كان الفلسطينيون من أبناء قومه، متى ما مرّوا عليه، وهو ينحب فوق الدمار والأنقاض، يقولون: "تالله تفتأ تذكر أهليك حتى تكون حَرَضًا أو تكون من الهالكين"! وهو يقول: "يا أسفي على أهلي ونور عيني"!

    وفي يوم من الأيام، أصاب "فلسطين" قصفٌ آخر، فأُصيبت رجله بإصابة شديدة حتى اضطُرّ الأطباء إلى بترها، وتركيب رجل صناعية خشبية مكانها، كي يتمكن من المشي.

    وبعدئذٍ، وبمجرد أن تعافى، تحوّل بؤسه وحزنُه إلى "غضب" شديد. وبما أنه قد كان من عباقرة قومه، فقد آلى على نفسه أن ينتقم لأهله ولبلاده، التي دُمّرت، بطريقة مُبتكرة.

    بخفاء، انهمك في البحث والتنقيب عن الجثث الفلسطينية المهشّمة والمُقطّعة إربًا إثر القصف الإسرائيلي الوحشي، فيجمع ما تيسّر منها: قدمٌ من هنا، ويدٌ من هناك، وجذعٌ من هنا، ورأسٌ من هناك، وساقٌ من هنا، وذراع من هناك. وبقدر ما بحث عن جثث لذويه تحت الأنقاض، كي يستعملها في صنيعه، فإنه لم يعثر على أثر لواحد منهم. ولكنه، وبما تيسّر إليه من القطع البشرية، كوّن جثةً مكتملة الأجزاء، جمعها إلى بعضها.

    أراد أن يبعث فيها الحياة بطريقة ما، ولكنه وجد صعوبة في ذلك. جرّب الكهرباء، كما فعل فيكتور فرانكشتاين في رواية ماري شيللي، ولكنها لم تنفع. جرّب بعض طرائق السحر والشعوذة، ولكنها لم تنفع أيضًا.

    ولم ينفع في بعث الحياة في ذلك الكائن الذي صنعه من الجثث الفلسطينية المقطّعة، إلا الصلاة والتضرع إلى الله.

    وحينما قام "الشسمه الفلسطيني"، الذي عجز "فلسطينُ" عن منحه اسمًا، قال: "السّلام عليّ يوم صُنِعتُ ويوم أموت ويوم أُبعثُ حيًّا"!

    ذُهل "فلسطين"، وسجد إلى الله شُكرًا. وبمجرد قيامه من سجوده، أمعن النظر في صنيعه الذي نفث الله الروحَ فيه، مشدوهًا، وقال: "أراك تقول ما قاله السيد المسيح عند ولادته! فأقول إليك: أعوذ بالرحمن منك إن كنتَ تقيًّا"!

    فقال "الشسمه الفلسطيني": "إنما نفث الله الروح فيَّ استجابةً لصلواتك ودعائك، وما فعل ذلك سبحانه وتعالى إلا لأعاقب المجرمين، فامنحني مباركتك يا فلسطين"!

    خرّ "فلسطين" لله سجودًا مرةً أخرى، وبكى بفرح ممتزج بألم. ومن ثم، عند قيامه، نظر ثانيةً إلى "الشسمه الفلسطيني". لم يرَ فيه ما رآه فرانكشتاين في كائنه الذي صنعه من قُبح، بل رأى "فلسطين" كل ما عمله فإذا هو حسن جدا.. كيف لا وقد صنعه من جثث الفلسطينيين؟

    قال "فلسطين": "اجثُ على ركبتيك"، فجثا "الشسمه الفلسطيني" على ركبتيه، ونكّس رأسه بخشوع. فوضع "فلسطين" شماله على رأس مخلوقه، وفي يمينه سطع القرآن الكريم نورًا، وقرأ سورة الفاتحة، ثم المعوذات، ثم قال مُخاطبًا ربّه: "اللهم اجعله بركةً لا بلاءً. اللهم لا تسفح على يديه دمًا حرامًا. اللهم اكتب له أن يكون خيرًا للبشرية جمعاء، من كل الأديان، واكتب له أن يكون وبالًا على القتلة والمجرمين، وعلى رأسهم نتنياهو! آمين يا رب العالمين"!

    ثم خاطب صنيعه بقوله: "اذهب واقتصّ للأبرياء من المجرمين"، فقال هذا الأخير: "سمعًا وطاعة".

    لم يعرف "فلسطين" شيئًا عن "صنيعه" ذاك بعدئذٍ لأسابيع، ولكنّه سمع، من بين ما سمعه في الأخبار وغيرها، بأن مخلوقًا مُرعبًا قد ظهر في وجه جنود من جيش الدفاع الإسرائيليّ المجرمين، الذين كانوا يمعنون في اغتصاب وتعذيب وإذلال أسراهم من الفلسطينيين، فقلب عاليهم سافلهم، وقتلهم جميعًا، بأسلحتهم نفسها، ومن ثم اختفى.

    وبعد ذلك الخبر بفترة، سمع عن ظهور "الشسمه الفلسطيني" بين المستوطنين الصهاينة الذين كانوا يحاولون تحرير حفنةٍ من المغتصبين من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، فأمعن فيهم ضربًا وتأديبًا وإذلالا، ثم اختفى!

    ولكنّ الصاعقة كانت عندما سمع "فلسطين" بأنه قد تمّ اغتيال "بن غفير" و"سموتريتش" في بيتهما، على يد مخلوق غريب مرعب ورهيب!

    ولقد توّج "الشسمه الفلسطيني" انتقامه للجثث التي صُنِع منها، عندما وصل إلى قيادات جيش الدفاع الإسرائيليّ فصفّاها، وصولًا إلى نتنياهو في الجحر الذي كان يختبئ فيه! ومع أن القوّات الأمنية المحيطة بنتنياهو نجحت في تصفية ذلك "الكائن الهمجي المخيف"، لكنها فعلت ذلك متأخرًا، بعد أن نال "الشسمه الفلسطيني" من نتنياهو، فماتا كلاهما في اللحظة نفسها!

*****

    في الجنة، كان "الشسمه الفلسطيني" يفكّر في من كان الوسيلة والسبب في وجوده المجيد: "فلسطين"، الذي فقد البصر من عينه الأخرى كُلّيًا، فصار كفيفًا عاجزًا.

    طلب من أحد ملائكة الجنة أن يصطحبه إلى موضع نتنياهو في الدرك الأسفل من النار، فأخذه الملك، في تلك الفقاعة النورانية التي تحميه من حرّ النيران، ومرّا بمُختلف طبقات الجحيم، رأى "الشسمه الفلسطيني" أبا لهب وأبا جهل ونمرود وفرعون وهم يُسامون سوء العذاب وبئس المصير، في طريقه إلى موضع نتنياهو.

    وعند وصوله إلى ذلك الموضع المشؤوم، أثلج الله صدر "الشسمه الفلسطيني"، عندما رأى خزنة النار وهم يُعذبون نتنياهو، وإلى جانبه، في تلك الحلقة نفسها من الجحيم، رأى "الشسمه الفلسطيني" هتلر، وموسوليني، وستالين، وترومان، وترامب، وبايدن.. ولكنه خصّ نتنياهو بالخطاب قائلًا: "(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).. فكم نفسًا بريئةً قتلت يا نتنياهو؟".

    نظر إليه نتنياهو نظرةً ملؤها الكراهية والحقد، دون أن يتكلم، ضربه أحد خزنة النار على رأسه ففتح فمه صارخًا، فصبّ الخازن الآخر في فمه حميمًا ممتزجًا بغسلين وزقوم حتى ابتلعه وهو خاسئ ثم أغلق فمه وانتحب. صرخ فيه "الشسمه الفلسطيني" باسمه: "نتنياهو"!

    رفع نتنياهو رأسه ثانيةً إلى قاتله، وهو يبكي وفي قلبه الحقد، فقال "الشسمه الفلسطيني": "فلتنظُر إلى هذه الأجزاء التي صُنِع منها جسدي أيها الإباديّ! كلّها من جثث مدنيين أبرياء قتلتهم ببطشك! ولتنظُر أين موضعك أيها الوغد، إلى جانب ذلك الذي أحرق شعبك، وحاول إفناءهم! (قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ، هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ). ذُق يا نتنياهو.. ذُق واصطلِ ما كنتَ تُصلي به الأبرياء من أهل فلسطين، هذا هو جزاؤك من الله، إلى جانب قدوتك العظمى: هتلر"!

حسين كاظم

22/9/2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في نزع سلاح حزب الله: الأسباب والعواقب

مراجعة ونقد رواية "البكاؤون" للدكتور عقيل الموسوي

ترامب والحرب العالمية الثالثة المحتملة